كاتبة وروائية سورية
سيرة المؤلف
أحلام برجس أبو عسّاف، كاتبة وروائية سورية، ولدت في ١٨/٠٣/١٩٦٥ في قرية أم ضبيب، في محافظة السّويداء، كان حلم طفولتها أن تُغيّر العالم، شبّت على هذا الحلم، ولكنّها لم تكن تعرف كيفية تحقيقه، وكبر هذا الحلم مع تلك الفتاة الريفية لتبدأ بتنفيذه من خلال دخولها معهد التعليم الابتدائي، بعد حرب ضروس خاضتها مع عادات وتقاليد تعارض انتقال الفتاة من الريف إلى المدينة لإكمال التعليم، إذ بدأت بتغيير ذاتها، ولاقت جزءاً منه في التعليم، فكانت مُعلِّمة ناجحة، بشهادة أهل بلدتها ومديرية التّربية التي منحتها عدة شهادات تكريم في أكثر من مجال. وهبت روحها وطاقاتها لتعليم الأطفال كيفيّة الاستماع وكيفيّة التفكير مدّة عشرين عاماً، انتقلت بعدها إلى إدارة المدرسة التي كانت تعلّم فيها في قريتها، ونالت العديد من شهادات الشُّكر والتّقدير، وحصلت على خبرة وشُهرة في حلّ المشاكل التّعليميّة وعلاقة التّلميذ مع الإدارة والأهل والمُعلِّم، معتمدةً أسلوب المناقشة والحوار طريقة للتّفاهُم، رافضة العنف والقسوة، وحقّقت نجاحاً كبيراً في ذلك. أكملت تعليمها الجامعيّ وهي في سنّ الأربعين رغم الظّروف الصّعبة والانشغال بالعمل ومسؤوليات البيت وأعباء الزّواج الفاشل الذي أفضى إلى طلاقها، ليضع هذا الطلاق على كاهلها عبئاً جديداً ثقيلاً، إذ تكفّلت، بمفردها، بتربية ابنها وابنتها، ولم يتركها القدر وشأنها، إذ عانت من الإصابة بسرطان الثّدي الذي تغلَّبت عليه بإرادتها الصّلبة وهزمته شرّ هزيمة. وليس هذا فحسب، بل اتّخذته نقطة ارتكاز وعودة إلى روحها لتبدأ في التغيير الحقيقي وتنتقل إلى الكتابة الرّوائيّة. ومن خلالها شعرت أنها بدأت تجد ما كانت تبحث عنه، من حلم، منذ سنوات اتّسمت بالمرارة، إذ أفرغت بين السطور معاناة انتظارها، وكانت روايتها الأولى (ظمأ امرأة) عام ٢٠١٦ التي لاقت رواجاً مُلفتاً للنظر ونفاذاً لجميع نُسخها، بدليل إعادة طباعتها طبعة ثانية، وصار لها الكثير من المُعتنقين لأفكارها من الرّجال والنّساء، حيث اعتبرت ذلك خطوة من خطوات تحقيق حلمها في التغيير، ذلك الحلم الذي راودها منذ طفولتها كما ذكرنا، وأهم ما ركّزت عليه هو حقيقة أنّ المرأة إنسان لها حقوق وعليها واجبات، لا تعرفها حق المعرفة إلّا بالثقافة والاهتمام بتغذية الروح. ولكن القدر عاد لمُعاندتها ثانية وهي في أوج فرحها هذا بانتصاراتها، إذ غيّب الموت المفاجئ فلذة كبدها(فادي) وهو في ريعان الشّباب وبداية العطاء وأوج القوة والطاقة، بعد انتهائه من الدّراسة الأكاديمية وتخرجه، إلى جانب تألّقه في مجال الموسيقا والغناء. ورغم صدمتها الكبيرة هذه ألّا أنها لم تفقدها توازنها، بل كفكفت دموعها بيد من تفاؤل وأمل و تابعت المسير، وكأنّ موته كان بمثابة صوت إلهي يدعوها إلى الاستمرار في مسيرتها ودعم ابنتها(هديل) وأولادها. وهكذا أكملت مشوار الكتابة وأنجزت روايتها الثّانية (رحيل العوسج) في عام ٢٠١٩ التي لاقت الكثير من الاستحسان لدى القراء، وقد خصّصت قسماً من ريعها تبرُّعاً لمرضى السرطان إكراماً لروح المرحوم ابنها. هذه هي أحلام برجس أبو عسّاف، الأم المكلومة التي مازالت تشعر، كلّ لحظة من لحظات حياتها، بأنّ روح ابنها تحوم حولها وترعاها، تنير دربها وهي قابعة في عليائها، وهي مستمرة في مسيرتها الكتابية والحياتية بأمان وسلام، لتنجز روايتها الثّالثة (وميضٌ في جبال الأنديز)، ورغم كل ما لاقته من مآسي وصعوبات إلّا أن مقولتها المفضّلة وشعارها في الحياة هو: (ما زالت الحياة جديرة بأن تُعاش).
رسالة من المؤلف
شاء القدر ان أولد أنثى، في بحر عمقه آلاف السنين، من تراث متراكم، حيث تتلاطم أمواجه العاتية بالقهر والعار، معربدة على مر الدهور، ومغرقة كل مراكب النجاة، التي تحمل ما تبقى من حلم المرأة بإنسانيتها، ومعززة نصرا مزيفا بالفخر، لمفاهيم راح ضحيتها المنتصر قبل المهزوم. لا شيء يعوض ما نحن فيه غير قناعتنا الراسخة بغد من صنع أفكارنا، تلك الأفكار التي تتجسد على هيئة إنسان، يتقاسم هذا المد الكوني مع أخيه الإنسان، بعيدا عن جنسه، عن انتمائه الديني، عن معتقداته المهترئة، نعم تعيش نساء العالم الثالث في شرنقة، رمتها عاصفة هوجاء تحت أقدام الربيع، لتخرج فراشات مهيظة الجناح، تحاول ترميم ما تكسر من أجنحتها الشفافة، بالإرادة وبالتصميم على الطيران، والشموخ. مهما كانت رعود الربيع صاخبة، ستصنع تلك الفراشات قوس القزح خاصتها. تلك رؤيتي للمرأة الإنسانة التي أراها في طور المخاض، والتي ستنجب صفحات بيضاء، تخفي أحاسيسا و مشاعرا من لحم ودم. تصرخ في عتمات الضياع وتوقظ الوجدان الغافي، ترميه في سهاد أبدي تاركة الأحلام لتنضج في ضمير القارىء. سنكون معا في لهفة مباغتة، لهفة اليقين لاستقبالها البهي.