دائرتنا / جوني البيطار

جوني البيطار

كاتب، شاعر وموسيقي لبناني

سيرة المؤلف

جوني البيطار، كاتب، شاعر وموسيقي لبناني، وُلِدْتُ ذات حزيران في قَرْيَةٍ مِنْ قُرى جَبلِ لُبنانَ تُدعى رَعْشين، وتَفسيرها، على حدّ قول الباحث والأديب أنيس فريحة، أرض الصَّلابة والأمان. كُلُّ ما في تِلكَ القَريَةِ يَدعوكَ إلى الشِّعْرِ وَالموسيقى: فُصولها، حُقولها، نَسائمها، دُروبها، بُيوتها، سُكّنها... ما إن تَعرَّفْتُ لُغَة اليَراع حتّى رُحتُ أقفِز بين جلال الأوراق. أقطِفُ عِطرَ حرفٍ، وأصْبُغُ كَفّيّ بِحِبْرِ الكلِماتِ... كانَ كِتابُ القَريةِ يَأْخُذُني إلى قَلَقِ قافيةٍ عالِقَةٍ بينَ جُرْحِ القَمَرِ وجِنْحِ ليلٍ! ما فَتَحْتُ في الحقْلِ شُبّاك شجرةٍ إلّا سَمِعْتُ زقزقة فِكَرٍ تنقُرُ زُجاجَ سمائي! كُنتُ أُطارِدُ الكِتابَةَ خَلْفَ فَراشاتِ النُّعاس؛ أَو أُخَبّئُ في لُغتي طَريقَ العَوْدَةِ إِلى البيتِ كي أَلْعَبَ بكُرَةِ الوَقْتِ... كُنْتُ أَكْتُبُ مِنْ أَجْلِ صديقَتي الطّفولَةِ لِتَكْتَمِلَ فيها الإنسانيّةُ... كُنْتُ أَكتُبُ كيلا تَضْجَرَ أصابعي؛ ولا تفْلِت من قَبْضَتي قصيدةُ الحياة! دَرَسْتُ في الجامعة اللّبنانيّة - كُلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، وتخرّجتُ فيها مُجازًا باللّغة العربيّة وآدابها. واليوم أَتَفَيَّأُ سِنْديانَةَ التَّربِيَة والتَّعليم؛ حيثُ أُنَسّقُ اللّغة العربيّة وأُدرِّسُها في مدرسة سيدرز هاي سكول. ولي في المؤلّفات المَدْرَسِيَّة إصَداراَتٌ عديدةٌ؛ منها كُتُب مَنهجيّة تعليميّة: "المدرّب الحكيم لِعبور التّقييم"، وكُتُبٌ تَعليمِيَّة لِمَرْحَلَةِ الرَّوْضات...، وأكثر من خمسَ عشْرةَ قصّةً في أَدَبِ الأَطْفالِ وَالمُراهِقينَ، أذْكُرُ بَعْضًا مِنْها: الأحلامُ الخائنة- عطاء وتضحية- سِرُّ الصّيّاد العَجوز- وليد يَكْرَهُ المِقَصّ- ماذا نصنع بالنّفايات؟... كما دَرَسْتُ الموسيقى العَربيّة الشَّرقيّة، وعلَّمني الهواءُ فوقَ سطوحِ البيوتِ العَزْفَ على آلَةِ الكمان. ومنذ ذلك الحين، كُلّما هبَّ النَّغَمُ في عروقي، حَطَّتْ على كتفي اليُسرى عُصفورَةٌ حزينةٌ أُعْطيها يَدي، فَتُعْطيني السّماءَ! أمّا في الشّعر، فقد صَدَرَ لي ديوانٌ شِعْريٌّ واحدٌ باللّغة المَحْكِيَّة اللّبنانيّة بِعُنوان: "صوتي انكَسَر، لَمّو الصَّدى فْتافيتْ". يتضمّن هذا الدّيوان سِتّة أبوابٍ، وَكُلُّ بابٍ مِنها يؤدّي إلى أماكنَ حَفَرَتْ في عُمق ذاتي؛ وإلى وجوهٍ أَراها تلوحُ من وراءِ الغَيْبِ كَزَيْتٍ مُقدَّسٍ يَنْقُطُ على قُماشِ ذاكِرَتي... أَرجو من خلال الكِتابَةِ أَنْ أُسْهِمَ، ولو قيد رُمْحٍ، في إِفْساحِ مِساحَةِ الجَمالِ في حياةِ كُلّ مَنْ يَتَذَوَّق الكلِمَة!

رسالة من المؤلف

مِنْ يوم ما غْسَلتُنْ عينَيّي بِمَيّة الشّعر، بَلَّشت شوف من الدّني المَيْلِه الحِلْوي. مَيْلِه بِتطّل عَ الأرض؛ وإِسمَع صوات جراس عم تعيّطلي من الوادي، وشوف الشّجر شموع، والضّبابِه بخّورْ. وتِبْقى إزا النّسمِه وَقْعِت عن التّلِّه يوقعو عيوني مَعا! بلّشت شوف ميلِه بِتطلّ عَ بيوت الضّياع، ووجوه صارو صحابا بِمَحْبَسِةْ قَلْبي قُوَن. وشفت مَيْلِه بِتطلّ عَ اللّغة العَفويِّه الماشيي بِالفِكْر، متل نهر مارِق بِحْقول القَصَب! الكِلْمِه الطّالْعَة من نصّ القلب بْحُرّيِّه، متل طلوع العِشب بين الحفافي... من وقتا، بَلَّشت روح مَلّي منْ نَبع "الأَنا" لْ مارِقْ فيّي، وإكتُبْ للدّرب، للتّراب... حتّى للحجار لْكِنِتْ إِقْعُدْ حَدُّن بين التّلال! صار صَوْتي نْبعِةْ مَيْ، آخْدو وِنْروحْ نِسْقي صَيْف الغَيْم فَوق الجِّرْد لْ فَقّع قلبو عَ عيانِه... صِرِتْ فوتْ عَ بالي، دِقّ عَ زاكرتي دَمِعْتَيْن، ويِتْجمّعو الغِيّاب، ونِقْعُد تحت حَوْر الحِزِن نِشْرَب الغَفْوي سَوا! وإِرجَعْ مِن النّوم وحدي جايب مِنن خيال ناعم عَ صبيعي سمّيتو الشّعر! صِرِتْ فوت عَ حالي، وشوف شو طلع فيّي حقالي، وصحاب عم يِلْعَبو قبالي.... شو عَمَّرِتْ هَ الأَرضْ فِيّي بيوتْ! هَلْقَدّ لمّا كتَبِتْ حِسَّيتْني عَمْ ساعْ... تَ صار فيّي الشّعر أرض مْشاع!