الناشر:
نشر ذاتيتاريخ النشر:
19/04/2020الصفحات:
207اللغة:
عربيشعر حديث :
في ديوانها "أغمض عينيك لترى" تطرح جولييت أنطونيوس مفارقةً عجيبة بين الرّؤية والرّؤيا أو بين البـصر والبصيرة... وهو ما عبّر عنه سقراط قديماً لرجل وسيم وأنيق، أخذ يتبختر في مشيته ويتباهى بمنظره: تكلّم حتّى أراك... كذلك تقول الشّاعرة للمخاطب الفردي والجماعي، لا ترني بعينيك، إفعل ذلك بقلبك وعقلك، أي بشكل عميق ينفذ إلى التّخوم القصيّة... فإيضاح الغاية في استعمال "لترى" تتجاوز حاسّة البصر أو المدلول المتعارف عليه ليكتسب أجنحة دلاليّة متنوّعة وفق ثراء التّخييل ومرجعيّات التّفكير... يمكن أن نقول: لتحبّ، لتعشق، لتفهم، لتعرف، لتفكّر، لتحاور ولتجادل... حينئذٍ وهذا لافت، تحضر الأنثى في القصائد محاورة للأنت والأنتم، مؤصّلة لتواصلٍ يتجاوز الظّاهر والسطحيّ والمتاح إلى الباطن والجوهر والممتنع... لذلك نهضت الصّور في الغالب على تقنية التضادّ فحضرت الثنائيّات والتداخلات بين الرّوح والجسد، الحقيقة والوهم، الأرض والسّماء، الحياة والموت والحب والكراهيّة... كما استدعت الشّاعرة توهّجها الرّوحي وتموّجات وجدانها لتحاور الصّخب الخارجي المرتبط بالوطن ومختلف القضايا التي تعيشها الإنسانيّة... فالشّاعرة بذلك تنشئ تناغماً بين الذّاتي والموضوعي أو بين الأنا والإنسان وهو ما غاب عن الكثير من دواوين الشّعر العربي الحديث بوقوفه على الرّبوة أو انتصابه في برجه العاجي... ديوان "أغمض عينيك لترى" للشّاعرة جولييت أنطونيوس يحتضن الأنا كما يحتضن الأنت والأفق والمواسم والحياة في نبضها و أشواقها و رهاناتها و أسئلتها... لا تنشغل الشّاعرة بالرّجل بقدر انشغالها بالإنسان، لا تهيم بالعاشق بقدر ما تضمّخ أنفاسها بالعشق... لا تهدي انتظاراتها للحرب والعزلة والموت بقدر ما تهبها للسّلام والحريّة والوطن... فلبنان هوّ تلك الشّجرة المترامية التي تنشر الظّلال و تحمي شرايين الحياة... جولييت أنطونيوس في مغامرتها الإبداعيّة الجديدة واعية بالحركة الدّاخليّة لهندسة قصائدها... تستدعي الماضي لتفكّ شفرات الآتي والمنتظر... توظّف الإشارة والتّلميح لتكشف أقنعة الحاضر وتستخدم الأصوات المتعدّدة لتكون الرّؤيا واعية ومتبـصّرة بما سيأتي و بما سيكون...
المعدل من 0 مراجعات