الناشر:
ناشر ذاتيتاريخ النشر:
21/03/2021الصفحات:
105اللغة:
عربيرواية خيالية :
نهض أبو الأمين، حضّر القهوة كعادته، نادى زوجته كما يناديها كل صباح: يا أمونة، لكنها لم تجبه كما تفعل كل صباح: صباح الخير يا مختار... مشى إلى غرفتها وهو يناديها: جلس عند قدميها، مرر رؤوس أصابع يده اليمنى على أسفل قدميها حتى تفز ضاحكة، لكنها لم تتحرك، شعر كأنه لمس خشبة، رغم ذلك، كرر حركته، لم تساور أبـا الأمين أي ظنـــون، كان قد انتهى من لف سيجارة الصباح، قرّبها من فمه ليمرر رأس لسانه على أطراف ورقتها الناعمة، لكنه في تلك اللحظة، تنبه إلى برودة قدم أم الأمين، سقط قلبه في ساقيه، ألقى السيجارة جانبا بهدوء ممزوج بتوقع كارثة، حرك قدم أم الأمين فلم تستجب، زحف على ركبتيه كطفل حتى وصل رأسها، قرّب كفه من أنفها، قرب وجهه من وجهها، كشف اللحاف عن نصفها العلوي، وضع رأسه على صدرها وقلبه يتطاير رعبا وظنونا سوداء، لم تتحرك، احتضن أبو الأمين رأس أمونة، وشعر كم هي جميلة وحنونة ودافئة، وبحب جارف نحوها... قدم رجاءه الأخير لوجهها وناشد عينيها، لكن دمعة العجوز سقطت على رفيقة دربه، بدأ يمسح بيده على جبينها وفوديها وخديها، بدأ يناجيها ويعاتبها ويحدثها في صمت ثقيل: لماذا اخترت الصباح للرحيل، لم تأت الفراشات بعد لتقبيلك، لماذا اخترت الصباح لتزرعي في روحي شجرة البكاء، أنا وحيد يا أمونة، والله وحيد، أنت كلامي وضحكتي وقهوتي الصباحية، وأنت لحافي في الشتاء، ووجهي الذي أنظر فيه كل صباح ومساء، وكلما تعبت… هل تدركين حقا ما فعلت؟ هل أغضبتك بشيء؟ هل أصبحت ثقيلا عليك فغادرت مسكني؟ تريدين أن أتوقف عن التدخين؟ ملعون أبو السجائر، تريدين أن نسهر سويا كل ليلة؟ منذ الليلة لن أستقبل أي رجل من قرية المجانين، تريدين أن أموت بدلا عنك؟ انهضي، أموت، والله أموت يا أمونة، تريدين أن أساعدك في الطبخ؟ أساعدك، بل أطبخ بدلا عنك، ارتاحي أنت يا حبيبتي، طبخت لأكثر من أربعين سنة، ما أطيب طعامك يا أمونة، ماذا سأقول لأقاربي عندما نعود؟ سيسألون عنك، سيقولون أين عصفورة الصباح، وسيدة البلابل الجميلة، سيقولون أين صديقتك يا أبو الأمين، دفنتها هنالك وعدت يا قاسي القلب... وضع رأسها بهدوء على الوسادة، غطى وجهها، وألقى رأسه على صدرها، ودموعه تسيل من عينيه المغمضتين. رأس أبو الأمين يثقل، جسده يتراخى... فتح عينيه محاولا التغلب على التلاشي، كانت الحسن أمامه، تتأمل في معاني الفراق، وصور الانكسار في عينيه، تحول إلى طفل ضعيف يتيم ضائع خائف، اقتربت الحسن منه، حضنت رأسه، بكى بحرقة: "لم يبق لي أحد يا ابنتي". (الرواية في مجملها تتحدث عن الحياة في المخيم الفلسطيني قبل دخول الثورة...)
المعدل من 0 مراجعات