Publisher:
Self PublisherDate Published:
07/06/2020Pages:
167Language:
ArabicModern Poetry :
عائلةُ الشعر، كعائلةِ الحياة، تَغْتني وتكبر. يكبرُ البيت، تكبرُ أحلامُ ضيوفهِ وساكنيه... وتتسّعُ المائدة. في بيت الشعر ما يكفي من فضاءِ المحبةِ لاحتضانِ حُجّاجهِ وقاصِديه. الهواءُ يكفي، وعودُ الصداقةِ تكفي، ولقمةُ الجمالِ الزهيدةُ كافيةٌ وتفيض. "رعد يكن" واحدٌ من حجّاجِ هذا البيت، واحدٌ من سُعاتِهِ وضيوفِ مائدته. هو، قطعاً، لا يحلمُ... مثلما يفعلُ الغزاةُ الطارئون... أن يكون على رأسها، لأنّ مائدة الشعر لا رأسَ لها... وليس لها هوامشُ وأطراف. ففي بيت الشعر كما يقال: حيثُ يكونُ الضيفُ يكونُ رأسُ المائدة. لعلّ الشعر، كلّ الشعر، ما هو إلّا تردادٌ سرمديّ لهذه الشهقةِ الخائبة، شهقةِ الحالم الذي يعرفُ أن ما ينتظره ليس إلّا تكراراً لخيبةٍ أو سعياً إلى خيبة. الشاعرُ (رعد أو سواه) هو الحفيد الأصيل لسلالةِ سيزيف "الآمِل"، الآملِ والخائبِ في الآن نفسه، الذي يعرف أنه كلما اقترب بصخرته من قمةِ الجبل، فإنما يقترب بها وبنفسه من الهاوية. وهكذا يتوجّبُ عليه... ثانيةً، وثالثةً، وأبداً... أن يعود إلى نقطةِ البدء، نقطةِ الشقاء الأعظم، التي هي خاتمةُ جميعِ النقاط. عمّ إذن يبحث الشاعر؟ إلى أيّ مقصدٍ يسعى، وأيَّ غوثٍ يرجو؟... إذا كان يعرف سلفاً، مثلما كان يعرف سيزيف أن "اللاجدوى" هي وحدها "جدواه"، وأن صيحته مهما علت وأنّى توجهتْ... صائرةٌ إلى تَبَدُّدها وانطفائها! لكأنّ الشعرَ، تماماً كصلاةِ الخائف، هو الخلاصةُ النبيلةُ لكلّ ما "لا ينفع". هو دليلُ الهاوية. وربما، لأجل ذلك، تفوح منه رائحة المعجزة... ويلتمع في صخرته الداكنة بريقُ الخلاص. ليست الإجابة ما يلتمسه الشاعر... بل التِباسُ السؤالِ وحيرته. وليس ما يصنعه الثمرةَ بل البذرة. وإذا كان لا بد لنا كقرّاء أن نتملّى في ما وراء غصّاتِ رعد وصيحاته ودويّ هواجسه، نستطيع القول إن هذه البذور... بذور الغصّات والهواجس، هي ما يستحق الاحتضان، والزمن وحده كفيلٌ بما يتبقّى.
Average from 0 Reviews