eBooks / Research / الفيسبوك وتشكيل العلاقات الاجتماعية

شكّلت شبكةُ المعلوماتِ الدّوليّة الإنترنت ذروةَ التطوّر التكنولوجي في مجال الاتّصالات الحديثة، وأصبحتْ ظاهرةً واسعةَ الانتشار لما تحويه من خدماتٍ وإمكانيّاتٍ معلوماتيّة ومواقعَ تربطُ سكانَ العالم بعضهم البعض بسرعةٍ فائقةٍ، وبقدرةٍ استيعابيّةٍ كبيرةٍ، حتى باتت جزءًا مهمًّا في حياة الأفراد والمؤسسات. وتُبيّن نشرةُ موقعِ إحصاءات الإنترنت في العالم أنّ عددَ أعضاءِ الإنترنت بلغ ملياري ونصف شخصًا مع نهايةِ الربعِ الأوَّل من العام٢٠١٢ م، أيّ أنّ ثلثَ سكان العالم الّذي يُقدّر بحوالي٧ مليارات نسمة أضحى يستعمل الإنترنت؛ واحتلتْ قارةُ آسيا المركز الأوّل؛ أمّا في الشّرق الأوسط فقد بلغ عددُ المشاركين في الإنترنت٩٠ مليون شخص، أيّ ما يعادل ٣.٧ % من العدد الإجمالّي العالميّ. وقد أفضى تنامي استعمال الإنترنت وتطبيقاتها إلى تغييرِ طريقة وأسلوب التّواصل بين الناسِ وأشكال تفاعلهم إلى درجةِ أنّ بعضَ الباحثين يوازيه بالتّغييراتِ الّتي أحدثتها الحروفُ الهجائيّة في المجتمع الإنسانيّ، وبالتّغيير الّذي أحدثه الهاتف مطلعَ القرن العشرين، والتّلفزيون مطلعَ الخمسينيّات والستينيّات؛ إذْ غدتْ وسائلُ الاتّصال الالكترونيّ عصبَ الحياة ودخلتْ مختلفَ مجالاتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة والعلميّة والثقافيّة. فكيف ومتى نشأت شبكة المعلومات الدّوليّة الإنترنت؟ وما هي طبيعةُ التّغييرات الّتي أحدثتها، وبالتّحديد على العلاقات الاجتماعيّة؟ للإجابة عن هذه الأسئلة جاء هذا الباب المكوّن من فصلين، حيث نتناول في الفصل الأوّل تاريخَ نشأة الإنترنت وتطوّرها، ثمّ نعرضُ لتطبيقاتها واستعمالاتها، على اعتبار أنّ الشَّبكات الاجتماعيّة أي مواقع التّواصل الاجتماعيّ هي إحدى تلك التّطبيقات، ونركّز في هذا الفصل على نشأةِ الشَّبكات الاجتماعيّة وتعريفها، مع ذكر أبرز أنواعها وخصائصها والخدمات الّتي تُقدّمها عمومًا، والإسهاب في ذكر تفاصيل خدمات موقع الفيسبوك باعتباره محور الدِّراسة، فنلقي الضّوءَ على نشأته وتطوّره وخصائصه. أمّا في الفصل الثّاني فنتطرّق إلى العلاقاتِ الاجتماعيّة كمفهومٍ أوّلًا، ثمّ نتناولُ العلاقاتِ الاجتماعيّة الالكترونيّة، أيّ العلاقات الّتي ينسجها أعضاءُ المواقع الاجتماعيّة ثانيًا، وطبيعة هذه العلاقات من الناحيّة النّظريّة، خصوصًا وأنّها أصبحتْ محورَ الجدل والنقاش الدّائر بين الباحثين والمهتمّين بعلوم الاجتماع، لجهةِ تأثير ما اصطلح على تسميته المجتمعات الإفتراضيّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ على العلاقات الّتي تتمّ بالوسائل التّقليديّة؛ إذْ يُعتقد أنّ هذه المجتمعاتِ أفقدتْ العلاقاتِ الاجتماعيّةَ الكثيرَ من حيويّتها كعلاقةٍ تفاعليّةٍ مباشرة وجهًا لوجه وأثّرت على بنيّتها من جهة؛ ومن جهةٍ ثانيةٍ يحتدم النّقاشُ حول الدّور الّذي تلعبه المواقع في عزل الأفراد اجتمّاعّيًا، وتفكيك العلاقات بين الأفراد، انطلاقًا من فرضيّةِ أنّ الأفرادَ يقضون وقتًا طويلًا في التّعامل مع الإنترنت، مما أدّى إلى انتشار أنماطٍ جديدةٍ من القيّم والسلوكيّات في المجتمع.